الاثنين، 26 ديسمبر 2016

تجربة الترشح للمجلس البلدي.. واقع وحقيقة

بسم الله الرحمن الرحيم



تجربة في الترشح للمجالس البلدية



ما أن بدأت عمر الخامسة عشر حتى بدأت الأفكار تعانق مخيلتي ونفسي تثير غيرتي لأجل وطني، الوطن الذي ملأني جميلا ومعروفا جعل في قلبي له حبا وديْناً، فلم ترتاح نفسي حتى أقدم لبلدي عطاء أو معروفا واجب علي أداؤه، فبدأت في المحاولات ،بدافع الغيرة وحب الوطن.

في خضم تلك المسيرة أُعجب بي الكثير من أبناء ولايتي  الذين لمسوا في الإخلاص والوفاء والقدرة على العطاء، إلا أنني أرى أن إحساسهم كان مبالغة.. هؤلاء أصروا علي للترشح في المجلس البلدي للولاية، كنت رافض تلك الفكرة وكانت محاولات الإقناع كثيفة حتى وافقت وترشحت..

لم أكن أحلم بالفوز بالإنتخابات قدر أني كنت أتمنى أن لا أحمَّل أمانة قد تكون سببا في التقصير أوتوقف العطاء، ومن هنا بدأت القصة...

كان كل شيء بدأعلى مايرام، كانت الأمور هادئة وأفكاري في موضوع الترشح والانتخابات مثل أفكار كل واحد، كنت أنظر إليها وسيلة لأجل العطاء والبذل والعمل، لم أكن راضٍ على أعضاء المجالس البلدية والشورى السابقين فقط لأنني أريد منهم الجهد الأكبر، وأنني كنت أنظر إلى أن المجتمع لا يحتاج إلى المطالبة لتحسين الخدمات قدر ما هو محتاج إلى العقول الناتجة والقلوب الوفية، وكانت نظرتي أن كل عضو يجب أن يكرس نفسه نحو تنمية الثقافة الإجتماعية ومساعدة الناس نحو الوصول إلى المستوى الذي يمكِّن الكل من العطاء والنماء، يجب أن يزرع في العقول أن الوطن ليس للحكومة وحدها بل لنا جميعا ولهذا يجب أن نتعاون جميعا في خدمته ورقيه بما نملك من فكر وقوة بدن وقوة مال. إن الوطن يحتاجنا كما نحتاجه وأن الحكومة عليها دورها وعلينا دورنا، يجب أن يعمل كل فرد جاهدا كي يعرف المجتمع دوره الحقيقي. ولا يزرع في عقول الناس حب المناصب والتكالب عليها سواء بالرشاوي أو الخداع أو النصب أو الوعود أو الرياء.. 

إنه الوطن الذي يجب أن يختار الرجل المناسب ليس لكثرة ماله ولا كثرة شهاداته ولا عضوياته، بل لقوة تفكيره وحسن سريرته ووفاء نفسه وإتقان عمله، رجل كان موجودا بين العامة بأفكاره وأعماله وإخلاصه، وليس شخص ظهر فجأة قبل الترشحات، أو رجل عنده المال ويبذل بماله ويعطي قبل  الترشح بأعوام قليلة وقد بلغ الأربعين ولم يشاهده أحد طول الأربعين عام في المجتمع لا في عمل صغير ولا كبير. إن الشخص الفقير المخلص الوفي المفكر المنتج خير للوطن من الثري المرائي الذي يشتري النفوس بماله أو جاهه أو منصبه. 

إن في المجتمعات المثقفة يبحث الناخب عن المترشحين ويسأل عنهم ويبحث في أوراقهم وأعمالهم وقراهم وبلدانهم ويقيس إنتاجاتهم الفكرية والعملية ثم يقيِّمهم وبعد ذلك يختار المناسب. ولا ينتظر المجتمع أن يأتي المترشح بنفسه ويبذل ماله أو يضلل بكلامه صدق أو كذب. ولا يعتمد على فريق المترشح وأهله في تقييمه بل كل شخص يبحث بنفسه عن سيرة هذا المترشح، ولا ننكر أن للكلمة قوة في تغيير الآراء وكذلك هناك قوة أكبر في البحث والتثبت في سيرة هذا المترشح. وينظر في إنتاجه وليس في كثرة عضوياته ولا كثرة ماله ولا كثرة أشياعه ولا كثرة شهاداته. وأتمنى أن أرى مجتمعنا يوما بهذه الصورة التي فعلا ستؤهلنا إلى الرقي والسمو والتقدم والقدرة على تحمل المسئولية كاملة نحو حياة أفضل.

فعندما بدأت في حملتي الإنتخابية كان معي شخص واحد، هو أحد البارزين في تشجيعي للترشح، ولم يقصر معي في وقفته وكل ذلك لاقتناعه أنني سوف أغير الولاية إلى الأفضل وأنه سوف يكون لي بصمة ستترك أثرا حسنا للأجيال اللاحقة. ومرت الأيام وبدأت تظهر بوادر الحقيقة التي يعيشها المجتمع، الحقيقة المرة التي لم أكن أصدقها يوما حتى بدأت أراها أمام عيني، إنه مجتمع عازف عن الإنتخابات، وقسم قد اعتاد على المترشح الذي يعطي المادة لأجل الأصوات.. ومضت الأيام ليظهر أمامي رجل كنت أحترمه وكنت أظن فيه الأمل الصاعد لهذه الولاية، حتى أظهر حقيقته ليُقدم أحد موظفيه في رتبة "منسق" للترشح. إنه عضو مجلس الشورى والذي كان يجب أن يكون رجل شورى، رجل يقتدى به في النزاهة والصدق والأمانة، رجل كان يجب أن يكون مع الولاية سندا وعونا يقف مع الجميع نحو مصلحتها وصلاحها. ولو أن "المنسق التابع له" رجلا أكبر المترشحين كفاءة في العقل والجسم والعمل ما كان على عضو مجلس الشورى أن يلعب تلك اللعبة على الولاية، ولو أن أحد المترشحين مفسد مشهور له بأن سيفسد الولاية؛ لكان عليه أن يقف ضده ويعمل بصمت مع الجهات المختصة بدون ضجة ولا تجريح. ربما كان علينا فحص مقدرة الممثل لنا في الكتابة والقراءة، ربما لا يتقنها ولو أنه حاصل على الدبلوم العام أو غيره، ففن القراءة و الكتابة والإلقاء أساس لوصول صوت الولاية إلى المجلس البلدي أو مجلس الشورى أو أي جهة أخرى، فالضعيف في القراءة والكتابة والإلقاء لا يمكنه إيصال كلمة الولاية بالنحو المطلوب.

إلا أن عضو مجلس الشورى ذهب بعيدا وأخذ يؤجج الناس لأجل "مرشحه المنسق" وصار يبعد بعيدا عن الأعراف وعن التشريعات حتى كتب رسالة وبعثها عبر وسائل الاتصال للمجتمع تداولها الصغير والكبير وسمعها الضعيف والقوي بفحوى ( كل المترشحين غير أكفاء، وأن الشخص الكفؤ فيهم هو  مرشحه "المنسق") ولو قارنا بين المترشحين كان بينهم سخصين ذوا كفاءة كبرى لا يقاس بهم "المنسق" أبدا، وأراهم أكفأ مني واعترفت بذلك مرارا، ونعم تم لعضو مجلس الشورى ذلك الهدف بكل سهولة ولا مبالاة. أحدث ضجيجا كثيرا أبعد أصوات الناس عني وعن الكثيرين، وكلما اقترب موعد الإنتخابات بعث رسالة أقوى للمجتمع، وهو الرجل الذي وضعنا فيه ثقتنا، الرجل الذي ربطنا به الأمل نحو الرقي لولايتنا، وللأسف يضرب الولاية في جرحها المؤلم، وسقط القناع حينها عن مجموعة شكلها من أشياعه ومناصريه ليضرب قانون الدولة في جدار قاتم ويظهر أول عضو لمجلس شورى يكوِّن لنفسه "عصبة".. هؤلاء اشتغلوا بقوة لأجل إرادة عضو مجلس الشورى، اشتغلوا حتى لتشتيت كل من اقتنع بي وبالمترشحين الآخرين، قد جمعت مئات الأصوات وكان أغلب المترشحين ينظرون إلي المنافس الأقوى وبعضهم كان يظن أني سأكون في المركز الأول، كان الكثيرون يتهجسون حال الأصوات وكانت ردودهم تصلني بأن لي الأصوات الأكبر، أحس عضو مجلس الشورى بذلك فأخذ يتصل بي ويطلب لقائي لأجل الحديث عن ترشحي، أصبح يقترب مني أكثر ويدعوني للجلوس معه، ومن جهة أخرى كان يلعب لعبة مع مجموعته لتشتيت أصواتي وتم ذلك بإشاعات نشرها. لم أتضايق أن أصواتي بدأت تشتت ولكن ما ضايقني هو أن  ما يقوله المجتمع وما كنت أتوجسه كان صحيحا، أن المصالح الشخصية طغت على مصلحة وطني، وأن قوة الوفاء والإخلاص تنعدم، كل هذا الكلام أكتبه والقارئ سيتفرع فيه لمقتضى تفكيره. والواقع أنني جربت هذا بنفسي واكتشفته بنفسي وما كنت أنظر لنفسي أنني الأفضل بل كنت أتمنى أن يفوز الأفضل بالمجلس -فلكل دوره - وهم بعض المترشحين وأعرفهم وأعلنت عنهم في حملتي الإنتخابية.

في تجوالي بين المجتمع لاحظت اليأس فيهم من أعضاء المجالس البلدية والشورى، سمعت ذلك كثيرا حتى حزنت على واقعنا المؤلم والذي أكده تصرف عضو المجلس الشورى ، وأن بعض أفراد المجتمع يعمل لذاته الشخصية وأن المصالح الشخصية فيه هي الأولى، إن ما فعله عضو مجلس الشورى رسالة قوية إليّ من واقع المجتمع، رسالة مؤكدة أن لسان حال مجتمعنا صادق. أولئك الذين رددوا لي كثيرا أن هذا المجتمع محتاج للإصلاح، وأنهم سئموا من الإنتخابات والترشحات والتي لم تعود عليهم بالنفع والتي كنت أرفضها ولا أصدقها؛ وهذا عضو مجلس الشورى أكد لي صدقهم من خلال ما قام به، علاوة  على ذلك فوز مرشحه "المنسق" أعطاني التأكيد التام أن قوة التصويت ليست إلا من قوة المصالح الشخصية، كل ما كان الدافع الشخصي أقوى كان التصويت لأجله أكبر، والمجتمع لا يحس بذلك إطلاقا. والإختيار للتعصب القبلي والعنصرية يحتل المرتبة الثانية بعد المصلحة الشخصية من أصحاب الجاه والنفوذ، هكذا يرفعون شعار الإخلاص؛ فقط لتضليل الآراء.. والواقع شيء آخر.
إن هذه تجربة قمت بها ومن خلالها عرفت ما يدور في أروقة الإنتخابات وأوراقها. هنا أتمنى من المجتمع أن يزداد اطلاعا وثقافة في هذا الجانب، أتمنى أن يختبر الشخص قبل اختياره في كلمته وقلمه، وفي رأيه وفكره، ولا يراه من خلال فريقه وعضوياته وأهله، بل من ناحية عطائه وإنجازاته.. وأن لا نترك صوت الجهل يخترق المجتمع ولا صوت العنصرية والمصلحة الشخصية يفوز على صوت العدل. فوطننا يحتاج لعدلنا ويحتاج لإخلاصنا ولوفائنا ولا تتم الإنجازات من الحكومة مادمنا فقراء من إنجازاتنا بأنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق