الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

الإمام ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي

عد زمان طويل من التمزق والتفرق والاستعمار الذي عاشته عُمان، و كانت مقسمة على عدة مقاطعات و لكل مقاطعة حاكمها الخاص الذي في حرب مع المقاطعة الأخرى، وفي مدن الساحل يربض العدو البرتغالي بهمجيته وضراوته، وقد قضى على أجيال بالحرق و التقطيع والقتل، و قضى على البنية التحتية للبلاد بسبب احتكاره المميت لجميع الداخل و الخارج من عُمان لمدة 120 عام. و في منطقة ساحل عُمان الشمالي <الإمارات العربية المتحدة حاليا> يسيطر البرتغاليين و الفرس بإزدواج على هذا الجزء من عُمان. و في الداخل النزاع و الحروب كانت هي حديث العامة و الخاصة، وتكاد تعرف عُمان بالموت و أهلها ينزحون عنها باستمرار.
فمنذ قبل احتلال البرتغاليين على المدن الساحلية لعُمان في عام1508 ميلادي كانت تعاني من الحروب الداخلية و الإنحدار السياسي و الاقتصادي حتى التقمتها الجيوش البرتغالية والفارسية و كادت عُمان تنتهي من هذا الوجود.
في يوم شاء الله تعالى لليل أن ينجلي وتشرق الشمس ساطعة بهية في سماء بلاد طالما رعتها العناية الإلهية وحفتها الرحمة الواسعة؛ اجتمع 70 رجلا من نخبة علماء و وجهاء عُمان في قرية “قصرى” في مدينة الرستاق. في تلك اللحظات تقدم الشيخ العلامة خميس بن سعيد الشقصي -رحمه الله- ليقدم الخلاص لمنطقة الخليج العربي و المحيط الهندي كافة وذلك بترشيحه ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي ليكون إماما منتخبا لعُمان و الذي أيده الجميع، ومن ثم تم إبلاغه بالقرار المتخذ.
لم يستطع ناصر بن مرشد اليعربي البالغ حينها من العمر 21 عاما من الرفض بسبب النصوص و القوانين التي تنص على الإنتخاب في النظام الإسلامي السياسي لدى المذهب الإباضي. وهنا تقدم الرجل الشاب ليضع شروطه لموافقته على تولي هذه المسئولية العظمى ليكون شرطه مدويا في صروح التاريخ و هو طلب ” الولاء التام” فقط. بايعه العلماء و الوجهاء و تم انتخابه إماما للشراة.
إنه يوم عظيم على أهل عُمان و المحيط الهندي كافة، و يوم ثقيل على الإمام الجديد الشاب الفتي ناصر بن مرشد اليعربي، لم يكن يدري حينها كيف يبدأ في ظل حال لا يرثى عليها، حال تمزقت فيها عُمان لمئات السنين، و مستعمر أحكم قبضته على جميع الأقاليم ويملك قوة لا تقهر، وله جيوش كالجراد تزداد في غمضة عين حين يظهر ما يهدد وجودها.
في عمر الواحد و العشرين عاما يستلم مسئولية توحيد البلاد بعد التمزق الطويل و اخضاع ممالك متناحرة و قبائل متمردة و قتال ألفه الناس جميعا منذ مئات السنوات، نحن لا نستطيع أن نفخر بهتلر وقوته الضاربة، و لا نابليون و سياسته العاتية، و لا الاسكندر ومملكته الضخمة فقط لأنهم لم يستلموا الملك إلا من ملوك و لم يؤسسوا مملكة من الصفر. كما أن استمرار مملكتهم كانت حول وجودهم و فور سقوط بعضهم سقطت حتى شخصياتهم ليموتوا منتحرين..
إننا لنا فخر خاص و حكاية نقصها جيل خلف جيل عن إمام ذو الواحد و العشرين عاما، و هيبة ملك راجحة عن مئات الملوك، و عقل سياسي أذعنت أمامه ساسة العصر، و عسكري تركع أمامه قواد جيوش العصر الحديث قاطبة. في يوم كانت شمس عمان أفلت و حل الظلام و القتل و الخراب، في يوم قد يأس الأقوياء من طرد النصارى من بلادهم يقرر السبعون عالما بأن يكون الفتى ناصر إماما لعُمان لتوحيدها و طرد المستعمر الجاثم.. إنه قرار خطير قد يكونوا اختاروا إنهاء وجود العرب في هذا القطر.
بعد أن استلم الإمام مسئولياته في سنة 1624 ميلادي بدأ العمل من فوره.. بعث الرسائل ووجه السرايا و جهز الجيوش لتوحيد عُمان، و مرت 8 سنوات لا أكثر، و ليقدم النجاح في طبق من ذهب.. هذه السنوات التي قضت على تمرد و تمزق 200 عام وعند يأس الأقوياء قام الإمام الفتي ناصر بتوحيد عُمان كلها. لقد شهد عليه الباحثين الأوربيون و العرب على أن عمله هذا نادرا و يدل على شخصيته القوية، و أنني أراه يجب أن يكون رمزا تفتخر به الإنسانية كلها. لقد أثبت جدراة نادرة و قوة عظيمة استمدها من إيمانه بالله القوي الحميد و من رجال وفُّوا العهد الذي عاهدوه بالشرط الذي اشترطه عليهم و كان النصر حقا للمؤمنين.
و في أغسطس من عام 1633ميلادي توِّج الشراة بأول نصر لهم على البرتغاليين في جلفار بساحل عُمان، في هذا اليوم تم اقتلاع الفرس و البرتغاليين معا و هدم هيبتهم و القضاء على قوتهم ليدوي خبر النصر لأهل عُمان جميع أقطار المعمورة. هناك بلى العُمانيين بلاءاً حسناً و حرروا أرض ما يعرف اليوم بالإمارات العربية و استطاعوا طرد البرتغاليين و الفرس منها، لينطلقوا في عنان النصر يخوضون المعارك و يقتحمون الساحات بتكبير يهز الأرجاء، وفرحة بالنصر لتخضع الجيوش المستعمرة أمام جيش الإمام.
و في عام 1648 حرر الإمام ناصر صور و قريات لتبقى في يد المستمعر مسقط و صحار، ولكن تحت شروط حددها الإمام ناصر ولم يستطع البرتغاليين رفضها لأنهم يعرفون بأن من يقود جيوش عُمان رجلا إذا قال فعَل.
وجعل الله لكل أجل كتاب، و قد أنهى الإمام العظيم ناصر بن مرشد ما شاء الله أن يكلفه به، و فتح الطريق لأهل عُمان لمستقبل زاهر و يصبح المستقبل التي تتهاوى إليه كل أمم الأرض حتى بريطانيا و الدولة العثمانية تتردد على هذه البلاد لتحصل على الصداقة أو الحماية أو النصرة. لقد بقي دين تلك الدماء التي سُكبت لأجل التحرير يوم حررت أبو ظبي و الشارقة و رأس الخيمة والفجيرة و عجمان و أم القيوين ودبي و خورفكان و شناص و لوى حتى صور ماعدا مسقط و صحار، لتيبقيها الإمام تحت الخناق القاتل.
و في يوم بكت فيه عُمان بكاء مرير، و حل سواد الحزن على أهلها بدموع حارة، و تغيرت فيه الفرحة العارمة إلى حسرة الحزن الكبير، قضى الإمام ناصر حياته في جهاد لتوحيد القوى العمانية المتناحرة، والصلح بين كل متخاصمين، و شمر ساعديه منذ عمر 21 عاما لا يهنأ النوم و لا يطعم الراحة إلى تحت ظلال البنادق و المدافع، و فُسْحته في صرير القلم و الصوم و الصلاة، و سلوته قراءة القرآن و الذود عن الأرحام.
رجل حق على كل مسلم أن يفخر به، و أن يحترم ما فعله، و لا يبخس حقه و حق المقاومة التي بدأت في يوم لاحت فيه أعلام الغزاة من سقطرى و صور و قريات و مسقط و صحار.. صحار لها حكاية خاصة في الدفاع، حكاية مزقت فؤاد القاسي حزنا، صحار دمعة جارية من تحت قلعتها التي دفن الغزاة فيها المرابطين.
بعد أن بلغ الإمام العظيم ناصر بن مرشد اليعربي عمر السابعة و الأربعين وفي إبريل عام 1649ميلادي فاضت روحه إلى بارئها، راضية مرضية، حاملة ريح الجهاد، و غبار المعارك، وتركت لنا سطرا بل مجلدات تتحدث عن قوة المؤمن وعنوان الفداء و رمز الجهاد في شخص الإمام ناصر رحمه الله تعالى و رضي عنه. فليتها ذكرى في كل عام نتذاكرها، و نتدارس تلك الأيام و نأخذ عبرتها و نوفي بحق أسلافنا المكرمين، ليت العالم الإسلامي يعرف من هو ناصر ومن كانوا معه، و سلطان إبن عمه و سيف ابن سلطان و بلعرب باني جامعة العلم الإسلامية في عُمان.
ربنا اجعل الإمام الوفي الرضي ناصر بن مرشد في رحمتك و أغفر له عن كل ذنب إنه حمى دينك، و أعاد لأرض عبادك هيبتها، و جدد لأمة طريق هدايتها. و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله وأصحابه أجمعين.

هناك تعليق واحد:

  1. ناصر بن مرشد هو نجم عمان الأوحد الى يوم الدين

    ردحذف