الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

فردوس في وسط الصحراء.. الأفلاج

هناك تحت الجروف الصخرية الوعرة وبين الكثبان الرملية الحارقة تربض جنات تضج بالحياة، تتخللها أنهار تحمل مياه صافية عذبة..
لا يمكن لأحد أن يتخيل بساتين الفاكهة حقول واسعة متعلقة في جرف صخري مرتفع، أو في صدع لا تعرف ما بداخله حتى الأقمار الإصطناعية إنها إرادة سخرت الصحراء إلى واحات ممتلئة بالحياة والمياه والجمال.
هنا في عُمان فجَّر التعاون بين الأسلاف أفلاج حافظت على الحضارة العُمانية على مدى عصور عريقة،إنهم بذلوا كل ما بوسعهم لأجل أن نأتي نحن اليوم ونجد كل مقومات الحياة كاملة ومستمرة.
إن الصعاب التي كابدها أولئك الأجداد لشق فلج واحد لا يمكن أن يستوعبها اليوم أي فرد من أفراد العصر الحديث، إن الأرواح كانت تقدم سهلة لأجل عمارة الفلج، والأجساد تبلى والفلج مازال لم يكتمل.. إنها إرادة قوية قهرت أقسى ظروف الطبيعة.
من شرفة أحد الأبراج تستطيع أن ترى عظمة مساحة ما خلفتها تلك الأفلاج ومن صفحات التاريخ يمكنك أن تعرف ضخامة الإنتاج الذي قدمته الأفلاج للمجتمع عندما كان يحب العطاءة.
قد يعتبر البعض أن عُمان ليس لها قيمة حضارية مثلتها المخلفات الأثرية قدر ما لمصر أو العراق ما تحتفظه من آثار يتهافت عليها العلماء و الكتاب، بيد أن عُمان لو اعتبرنا الأفلاج فقط هي الأثر الوحيد الذي تركه لنا الأسلاف وأظهرنا هذا الموروث بقيمته الحقيقية بثقة وبلا خجل لعرفنا أن الحضارة الإنسانية من أعظم ما صنعت هو نظام الري الذي بدأت ملامحه في عُمان منذ نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد لتستمر منذ ذلك الحين حتى زمننا هذا قاطعة درجات في التطور حتى اكتمل في نظام ري معقد ذو سمات لا يمكن حلها إلا بدراسة تستمر سنوات طويلة.
نظام قطع عنان التطور ومزق كل صنوف الحضارات وذللها لتبقى تعتمد عليه في ازدهار بلاد طالما وقفت بشموخها في عصور تعاقبتها الصعاب والأحداث المميتة.
الفلج نظام ري معقد لا يمكن معرفته إلا بدراسة كل جوانبه من بداية علم المياه والجغرافيا
والإجتماع والهندسة المعمارية، لأنه يعتمد على طبيعة الأرض وديناميكية المياه الجوفية وطبيعة الحياة الاجتماعية والمناخ والعمارة الهندسية والزراعة وعلم الآثار والتاريخ.
و في هذا الزمان هناك أفلاج خلفها لنا الأجداد ولكن للأسف اندثرت منذ زمن ليس ببعيد وهي في حاجة ماسة لإحيائها و بوجود التقنيات الحديثة يمكن إعادة إعمارها والمحافظة عليها واستغلالها،حيث وصلت عدد الأفلاج الميتة التي تم حصرها في تعداد الأفلاج 1000فلج و ربما العدد أكبر من ذلك ولكن ما يهمنا هو أن كثير من هذه الأفلاج إعادة إعمارها ليس بالصعب و إنه مازالت المياه متوفرة في منابعها.
و الحقيقة لا ننكر جهد الحكومة في ترميم الكثير من الأفلاج إلا أننا في حاجة إلى إعادة النظر في طريقة ترميم هذه الأفلاج خصوصا الأفلاج العِّدِيَّة، فمثال واحد وهو: – توجد قنوات بعض الأفلاج في أعماق صخور متماسكة و قوية وليس من الحكمة شق هذه الصخور وحفرها وبناء القناة الإسمنتية، والأفضل هنا تنظيف هذه القنوات و بناء حاملات صخرية في الأماكن الهشة وترك القناة كما هي عليه سابقا فهو أحفظ لها وأسلم.
إننا لا نتمكن من حصر موضوع الأفلاج في سطور قليلة لأنه موضوع يحتاج إلى عناية دقيقة وحرص شديد،فنهاية فلج يعني نهاية مجتمع، وعمارة فلج يعني بداية حياة،ومن هنا أدعو كل المجتمع نحو العناية بالأفلاج  والبحث عن معرفتها حتى نتمكن من فهمها مما سيؤدي نحو احترامها والمحافظة عليها لتستمر لأجيال تتعاقب في المستقبل البعيد.

هناك تعليق واحد: